بقلم: عزيز بالرحمة
في لحظة تاريخية مفعمة بالرمزية والرسائل العميقة، خاطب صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، الأمة المغربية مساء الجمعة 31 أكتوبر 2025، عقب القرار الأممي الذي كرس مغربية الصحراء بشكل واضح وغير مسبوق، وجعل مبادرة الحكم الذاتي، التي قدمها المغرب سنة 2007، الإطار الوحيد والنهائي لحل هذا النزاع المفتعل.
لقد كان خطاب جلالة الملك أكثر من مجرد تفاعل مع قرار دولي، بل جاء ليؤسس لرؤية جديدة، تنقل المغرب من منطق الدفاع إلى منطق التتويج والانفتاح، وتترجم مسارا دبلوماسيا متوازنا اشتغلت عليه المملكة طيلة عقدين بقيادة ملكية تتسم بالحكمة وبعد النظر.
الملك، كعادته، لم يتحدث بلغة المنتصر المتعالي، بل بلغة رجل الدولة الذي يدرك أن النصر الحقيقي لا يكتمل إلا بالسلام، وأن الشرعية لا تكتسب فقط من مواقف الأمم، بل من القدرة على مد الجسور وصناعة المستقبل.
ومن هنا، كان النداء الصادق الذي وجهه جلالته إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، دعوة سامية إلى حوار أخوي صريح ومسؤول، يروم تجاوز الخلافات وفتح صفحة جديدة بين شعبين تجمعهما روابط التاريخ والدين والمصير المشترك.
في هذا النداء، كما في الخطاب كله، تجلت مدرسة محمد السادس في القيادة: الواقعية دون تفريط، الصرامة دون قطيعة، والبحث الدائم عن الحلول الممكنة في عالم لا مكان فيه للمغامرات أو الانفعالات.
لقد أثبت جلالته أن القوة لا تقاس بشدة الخطاب، بل بعمق الرسالة، وأن الدبلوماسية الناجحة هي التي تجمع بين الثبات في المبادئ والانفتاح في الوسائل.
القرار الأممي الأخير لم يكن صدفة، ولا ثمرة ضغوط ظرفية، بل نتيجة مباشرة لعمل دبلوماسي متراكم اشتغل فيه المغرب بصمت وثقة، تحت قيادة ملك جعل من “الواقعية السياسية” منهجا ومن “الاعتدال” سلاحا. لذلك، لم يكن غريبا أن يتحول ملف الصحراء من موضوع نزاع إلى نموذج في الحكامة والتعاون الإقليمي.
إن خطاب 31 أكتوبر 2025 يمثل لحظة مفصلية في التاريخ السياسي الحديث للمغرب، ليس فقط لأنه يؤكد انتصار رؤية ملكية متبصرة، بل لأنه يفتح أفقا جديدا أمام شعوب المنطقة لبناء مغرب عربي موحد، تسوده قيم السلم والإخاء، بدل الصراع والقطيعة.
لقد وضع جلالة الملك، مرة أخرى، البوصلة في الاتجاه الصحيح: الدفاع عن الثوابت الوطنية بروح من الحكمة والمسؤولية، والإيمان بأن المستقبل لا يبنى بالحواجز، بل بالتكامل والثقة المتبادلة. إنها رؤية ملك لا يرى في النصر غاية في ذاته، بل وسيلة لترسيخ السلام وتحقيق التنمية المشتركة.
بهذا الخطاب، كتب الملك محمد السادس فصلا جديدا من فصول الحكمة المغربية، التي علمت العالم أن الاعتدال ليس ضعفا، وأن الحوار هو أرفع أشكال القوة، وأن مغربية الصحراء اليوم ليست فقط حقيقة سياسية وقانونية، بل عنوان لوحدة وطنية ومغاربية تستمد قوتها من صدق النية ونبل الهدف.
فالمغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، لا ينتصر فقط لقضاياه العادلة، بل ينتصر أيضا لقيم الأخوة والوحدة، ويضع لبنة جديدة في بناء مغرب عربي يسوده السلم والإخاء.
وطني 24 جريدة الكترونية مغربية شاملة
