بعد نيله الثقة المولوية.. ملفات ثقيلة تنتظر العامل الغنامي على مكتبه

يُقبل إقليم تاونات على مرحلة جديدة من تدبير الشأن العام، بعد تعيين عبد الكريم الغنامي عاملًا على الإقليم خلفًا لسيدي صالح الدحا، الذي انتقل لتولي مهام جديدة على رأس عمالة الجديدة.

ويأتي هذا التعيين في سياق تطلعات واسعة لدى ساكنة الإقليم، التي تأمل أن يشكل المسؤول الجديد بداية صفحة جديدة قوامها الإنصات الفعّال، والاقتراب من انشغالات المواطنين، وإعطاء دفعة قوية لمسار التنمية المحلية التي ظلت متعثرة لسنوات طويلة.

ففي الوقت الذي يودّع فيه الإقليم العامل السابق، لا تخفي الساكنة تقديرها لما تم إنجازه خلال ولايته، خاصة في ما يتعلق بإطلاق وتتبع عدد من المشاريع التنموية والاجتماعية.

غير أن حجم الإكراهات وتراكم الإشكالات البنيوية يجعل من مهمة العامل الجديد مغامرة حقيقية تتطلب حسًّا إداريًا عاليًا، ورؤية تنموية شمولية قادرة على فك شفرات الإقليم الشاسع، الذي يضم خمس بلديات و44 جماعة قروية تمتد بين السهل والجبل.

🔹️تحديات الماء.. “إقليم السدود العطشان”

رغم أن تاونات تُعدّ من الأقاليم المائية بامتياز، إذ تساهم بشكل محوري في تزويد مناطق واسعة من المملكة بمياه الشرب والري، فإنها paradoxically تعاني عطشًا مزمنًا في عدد من الجماعات الترابية التي تحيط بها السدود.

فقد تسببت سنوات الجفاف المتتالية في تراجع خطير لمنسوب المياه، زاده سوء تدبير بعض الموارد المائية تفاقمًا، وهو ما انعكس بشكل مباشر على ندرة المياه الجوفية وتراجع التزويد بالماء الصالح للشرب والري، خصوصًا في المناطق المنخفضة.

ورغم المجهودات التي تبذلها الدولة من خلال مشاريع كبرى، من قبيل تطوير منظومتي الري بسدي ساهلة وبوهودة، وإطلاق ورش بناء سدي سيدي عبو بجماعة عين معطوف وسد الرتبة بجماعة الرتبة، فإن الوضع المائي بالإقليم لا يزال مقلقًا، ويستدعي تدخلاً عاجلاً من العامل الجديد لاعتماد مقاربة استباقية تضمن الأمن المائي وتؤمن النشاط الفلاحي المحلي الذي يشكل مصدر رزق رئيسي لآلاف الأسر.

🔹️واقع اجتماعي صعب.. الصحة والتعليم في صدارة المعاناة

القطاع الصحي في تاونات لا يزال يواجه ضعفًا هيكليًا واضحًا، يتمثل في قلة التجهيزات الطبية وشحّ الأطر الصحية المؤهلة، ما يجعل عددًا من المراكز الصحية تعمل بشكل متقطع أو تغلق أبوابها في بعض الفترات، وهو ما يضطر المرضى إلى التنقل لمسافات طويلة نحو مدينة فاس من أجل تلقي العلاج.

وضعٌ يزيد من معاناة سكان القرى النائية، خصوصًا النساء الحوامل والمسنين وذوي الأمراض المزمنة.

أما التعليم، فيعيش بدوره على وقع خصاص مزمن في الموارد البشرية والاكتظاظ داخل المؤسسات التعليمية، خاصة في السلك الثانوي، إضافة إلى ظاهرة الأقسام متعددة المستويات في المناطق الجبلية.

كما تبرز هشاشة الداخليات وضعف بنيات الإيواء كعامل إضافي يُغذي ظاهرة الهدر المدرسي، لا سيما في صفوف الفتيات القرويات اللواتي يجدن أنفسهن مجبرات على ترك الدراسة بسبب بعد المؤسسات التعليمية وصعوبة التنقل.

🔹️بنية تحتية مهترئة وطرق تقطعها المسافات

تُعدّ هشاشة البنية التحتية واحدة من أبرز المعضلات التي تؤرق الإقليم، إذ تعرف العديد من المسالك والطرق، خاصة في العالم القروي والجبل، حالة من التردي الشديد وصعوبة الولوج، مما ينعكس سلبًا على حركة التنقل ويُعرقل فرص الاستثمار. كما أن ضعف شبكة النقل العمومي يزيد من عزلة عدد من الدواوير، ويعمّق الإحساس بالتهميش لدى الساكنة.

هذا الوضع يفرض على العامل الجديد جعل إصلاح البنية التحتية ضمن أولوياته القصوى، مع العمل على تعبئة الموارد اللازمة لإعادة تأهيل الطرق، وتعزيز خدمات النقل الجماعي لضمان ربط فعلي ومستدام بين الجماعات القروية ومراكز الإقليم.

🔹️تعثر التعمير وتعقيدات العقار

ملف التعمير بدوره من الملفات الشائكة التي تنتظر الغنامي على مكتبه، حيث تواجه الجماعات الترابية بالإقليم إكراهات قانونية وتقنية في تدبير رخص البناء بسبب غياب تصاميم التهيئة في عدد كبير منها، إضافة إلى استمرار تعقيدات أراضي الجموع التي تعرقل مشاريع الاستثمار والتوسع العمراني.

كما أن تأخر مشاريع الربط بشبكتي الكهرباء والماء يُفاقم معاناة الأسر القروية ويحدّ من جودة الخدمات العمومية.

🔹️مؤهلات سياحية مهمّشة

رغم ما يزخر به إقليم تاونات من مناظر طبيعية خلابة، ومؤهلات جبلية وبيئية وثقافية، إلا أن القطاع السياحي لم يتمكن بعد من لعب دوره كرافعة للتنمية المحلية. ضعف البنيات التحتية السياحية، وغياب منشآت فندقية مصنفة، وتراجع جهود الترويج والتسويق، كلها عوامل تجعل من السياحة بالإقليم قطاعًا غير مستغل بما يكفي. وهو ما يستدعي رؤية استراتيجية جديدة لإحياء هذا القطاع وجعله مصدرًا للدخل وفرص الشغل، خاصة للشباب.

🔹️انتظارات وآمال.. ومسؤولية جسيمة

تنتظر العامل الجديد ملفات ثقيلة تتطلب الجرأة في القرار والقدرة على الترافع لدى المصالح المركزية من أجل جلب الاستثمارات الضرورية ودعم المشاريع المهيكلة.

كما يعلق المواطنون آمالًا كبيرة على تبني مقاربة تشاركية حقيقية، تقوم على الانفتاح على فعاليات المجتمع المدني والإصغاء لمطالب الساكنة، إلى جانب تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع المتوقفة، ومحاربة كل أشكال الفساد الإداري والزبونية.

اليوم، يبدو أن تاونات تقف على أعتاب مرحلة جديدة، مفصلية في مسارها التنموي.

فإما أن تشهد تحوّلًا نوعيًا يعيد إليها مكانتها المستحقة، أو تظل حبيسة الأعذار والمشاريع المؤجلة.

وبين هذا وذاك، تبقى العيون موجّهة نحو مقر العمالة، حيث تتراكم الملفات على مكتب العامل عبد الكريم الغنامي، في انتظار أن يترجم الثقة المولوية التي نالها إلى دينامية تنموية حقيقية تُعيد الأمل لسكان الإقليم.

يأتي تعيين عبد الكريم الغنامي على رأس عمالة تاونات في سياق دينامية متجددة يشهدها تدبير الشأن الترابي بالمملكة، حيث تحرص المؤسسة الملكية على ضخ دماء جديدة في الإدارة الترابية، قادرة على استيعاب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها البلاد.

فالمسؤول الترابي اليوم لم يعد مطالبًا بمجرد تدبير الملفات الإدارية التقليدية، بل أصبح مطالبًا بإبداع حلول عملية ومواكبة المشاريع المهيكلة برؤية تنموية متكاملة.

إن الثقة المولوية السامية التي حظي بها الغنامي، تعكس إرادة واضحة في الدفع بكفاءات ميدانية تمتاز بالحزم والقدرة على الإنصات والنجاعة في اتخاذ القرار، في مرحلة تحتاج فيها الأقاليم، خصوصًا النائية منها، إلى قيادات ميدانية قادرة على تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية المحلية وانتظارات المواطن.

ولعل التحدي الأكبر أمام العامل الجديد لتاونات هو تحويل الثقة إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع، من خلال إرساء حكامة ترابية فعالة تعيد الاعتبار للإقليم وساكنته، وتؤكد مرة أخرى أن الرهان على الكفاءة والنزاهة يظل المدخل الحقيقي لأي إقلاع تنموي شامل ومستدام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Managed by Immediate Bitwave