عمالة مقاطعات الدار البيضاء - انفا

الدار البيضاء…سلطات عمالة أنفا تُرسخ نموذجاً في تدبير الشواطئ ومحاربة الفوضى

الدار البيضاء – عزيز بالرحمة

أطلقت سلطات عمالة مقاطعات الدار البيضاء – أنفا، في خطوة تنظيمية مدروسة، حملة واسعة النطاق ترمي إلى وضع حد للفوضى التي كانت تسود الشواطئ التابعة لنفوذها الترابي خلال مواسم الاصطياف لهده السنة ، خاصة ما يتعلق بالاستغلال غير القانوني للفضاءات الشاطئية من طرف مجموعات تعرف بـأصحاب “الجيليات”، الذين دأبوا على فرض إتاوات مالية على المصطافين في غياب أي سند قانوني أو ترخيص إداري، وهو ما شكل خلال السنوات الماضية مصدر قلق وتذمر لدى المواطنين وأدى إلى تشويه صورة الشاطئ العمومي كمجال مفتوح للجميع.

وقد اعتمدت العمالة في تنفيذ هذه الحملة مقاربة أمنية ومؤسساتية متكاملة، تستند إلى التنسيق الميداني الفعّال بين مختلف السلطات المحلية والمصالح الأمنية المختصة، بهدف استرجاع هيبة القانون داخل المجال البحري وضمان ولوج المواطنين إلى الشواطئ في ظروف تتسم بالأمن، والنظام، والكرامة.

وتمثلت أبرز ملامح هذا التدخل في تفكيك مظاهر العشوائية، ومصادرة المعدات والأدوات التي تستعمل في الاستغلال غير المشروع للفضاءات الساحلية، وتحرير الملك العمومي البحري من كافة أشكال الاحتلال غير القانوني، بالإضافة إلى ضبط المخالفين وإخضاعهم للمساءلة القانونية.

وقد تميز هذا التدخل بكونه لم يكن مجرد ردة فعل ظرفية، بل جاء في إطار استراتيجية شمولية وضعتها عمالة مقاطعات أنفا بعناية، وتقوم على مبدأ استدامة التنظيم والرقابة، بما يضمن استمرارية النظام داخل الشواطئ، ويحول دون عودة مظاهر التسيب والعشوائية في المستقبل.

وتقوم هذه الاستراتيجية على ضبط آليات الترخيص والاستغلال الموسمي للفضاءات الشاطئية، وفق شروط واضحة ومقننة تراعي التوازن بين الحق في الاستثمار الموسمي والواجب في احترام القوانين والضوابط التنظيمية.

وتعكس هذه الخطوة الجدية تحولاً نوعياً في طريقة تدبير الشأن المحلي المرتبط بالمجال البحري، إذ لم تعد السلطات تكتفي بالتدبير الموسمي الظرفي، بل باتت تنخرط في صياغة حلول دائمة وناجعة تقوم على الحكامة الترابية واليقظة الميدانية وتكريس مبدأ المرفق العام في الشواطئ باعتبارها مجالاً للراحة والاستجمام ومتنفساً بيئياً واجتماعياً لكافة الفئات، دون تمييز أو تقييد.

وقد لاقت هذه المقاربة الصارمة والفعالة إشادة واسعة من طرف ساكنة المنطقة وزوارها، الذين اعتبروا أن هذه الحملة أعادت الاعتبار لحقهم في الاستجمام في فضاءات نظيفة وآمنة، بعيداً عن مظاهر الاستغلال والابتزاز.

كما عكست ردود الفعل الإيجابية حجم التراكم الذي تحقق على مستوى الوعي الجماعي بضرورة حماية الملك العمومي، وتعزيز سيادة القانون داخل الفضاءات المفتوحة.

ومن اللافت أن هذه المبادرة التنظيمية التي قادتها عمالة أنفا تحولت إلى نموذج يُحتذى به على الصعيد الوطني، حيث بدأت بعض العمالات المجاورة التفكير في نقل التجربة إلى مجالاتها الترابية، انسجاماً مع التوجه العام نحو تنظيم الشواطئ المغربية ورفع مستواها من حيث الجودة، والنظافة، والسلامة، وتكريس الطابع العمومي لها كحق مكفول لكافة المواطنين دون تمييز.

إن النجاح اللافت الذي حققته عمالة مقاطعات أنفا في تنظيم الشواطئ والقضاء على ممارسات الابتزاز والاستغلال العشوائي، يؤكد أن الحزم في تطبيق القانون يمكن أن ينسجم بشكل مثالي مع تعزيز الحريات الفردية والجماعية، وخاصة الحق في الولوج الحر والمجاني إلى الشاطئ.

كما يعكس هذا النجاح أهمية تبني مقاربات استباقية مبنية على التخطيط، والرقابة، وتفعيل آليات الزجر في مواجهة التجاوزات التي تمس بالنظام العام وبمبادئ المرفق العمومي.

وعليه، فإن ما تحقق على مستوى شواطئ عمالة أنفا لا يمكن اختزاله في مجرد حملة ظرفية، بل هو ثمرة رؤية استراتيجية ومجهود مؤسساتي جسّد إرادة حقيقية في القطع مع ممارسات الماضي، والانتصار لمنطق التنظيم والشفافية.

وتبقى التحديات قائمة في الحفاظ على هذا المنجز وضمان استمراريته، من خلال تعزيز الموارد البشرية واللوجستية المكلفة بالمراقبة، وتكثيف الحملات التحسيسية، وتوفير بدائل قانونية ومنظمة للأنشطة الموسمية، في إطار مقاربة تشاركية تدمج الفاعلين المؤسساتيين والمجتمع المدني والمهنيين.

وختاماً، فإن هذه المبادرة قد تشكل، إذا ما تم تثمينها وتعزيزها، قاعدة صلبة لإعادة هيكلة العلاقة بين المواطن والمجال البحري، بما يضمن استعادة الثقة في المرفق العمومي، وتكريس العدالة المجالية، وتحقيق شروط التنمية الساحلية المستدامة في انسجام تام مع المبادئ الدستورية والتوجيهات الوطنية الكبرى في مجال التدبير الترابي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Managed by Immediate Bitwave