يواصل المغرب حشد إمكاناته وتسريع وتيرة تنفيذ مشاريعه الاستراتيجية استعدادًا لاحتضان كأس العالم 2030 وكأس إفريقيا للأمم 2025، واضعًا تحسين البنية التحتية للنقل في صلب أولوياته الوطنية.
وفي هذا السياق، يبرز مشروع القطار الجهوي السريع لجهة الدار البيضاء-سطات كأحد أبرز الأوراش الكبرى التي يجري العمل عليها، باعتباره خيارًا هيكليًا يهدف إلى تعزيز تنقل الأفراد وربط المحاور الاقتصادية والرياضية الكبرى ببعضها البعض، مع التركيز على مناطق حيوية من بينها “زناتة”(عين حرودة) عمالة المحمدية، التي يُرتقب أن تلعب دورًا محوريًا في الخريطة الحضرية الجديدة للجهة.
هذا المشروع الذي يمتد على طول مسار يضم 18 محطة رئيسية، بدءًا من مطار محمد الخامس ووصولاً إلى ملعب الحسن الثاني، يجسد إرادة الدولة في إرساء نموذج نقل جهوي ذي طابع عصري ومستدام، يوفر بدائل فعالة لحركة التنقل داخل الجهة، خاصة خلال التظاهرات الدولية الكبرى.
ومن خلال إدماج محطات تربط بين المراكز الصناعية والتجارية والجامعية، يسعى المشروع إلى خلق شبكة نقل متكاملة تسهم في تسريع وثيرة النمو الاقتصادي وتثبيت تموقع جهة الدار البيضاء-سطات كمحور لوجستي ومالي إفريقي.
ولعل اختيار “زناتة” ضمن هذا الخط الحيوي ليس اعتباطيًا، بل يأتي انسجامًا مع الرهانات الجديدة التي تضع هذه المدينة الصاعدة في قلب دينامية التوسع العمراني والتهيئة المجالية للعاصمة الاقتصادية.
فمن خلال ربط “زناتة” بالمحاور المركزية للدار البيضاء، سيعزز المشروع من جاذبيتها السكنية والاقتصادية، ويرفع من قدرتها على استقطاب الاستثمارات والسكان في إطار تصور حضري يراهن على إعادة التوازن بين ضفتي الجهة.
يتجاوز هذا المشروع البعد اللوجستي ليُشكل لبنة أساسية في التحول الحضري والاقتصادي الذي يعرفه المغرب.
إذ لا يُنظر إليه كوسيلة نقل فحسب، بل كرافعة تنموية تُمهد لتحولات بنيوية على مستوى تدبير المجال وتحسين جودة العيش، خصوصًا في ظل ما تطرحه تظاهرات بحجم مونديال 2030 من تحديات تنظيمية وبنيوية.
إن الرهان اليوم لم يعد محصورًا في الاستعداد لاستقبال الحدث، بل في جعل البنية التحتية المهيأة جزءًا من رؤية بعيدة المدى تروم تعزيز التماسك المجالي وتنويع مراكز الجذب داخل الجهة.
وبهذا المعنى، فإن مشروع القطار الجهوي السريع بجهة الدار البيضاء-سطات، بما يتضمنه من محطات تربط مطار محمد الخامس، مرورا بمحاور حيوية كالنواصر وبوسكورة وعين السبع وسيدي البرنوصي وزناتة، وصولًا إلى المحمدية وكلياتها، يشكل تجسيدًا ملموسًا لانتقال المغرب نحو نموذج نقل حضري ذكي ومندمج، قادر على تلبية تطلعات المواطنين ومواكبة رهانات المستقبل.