وطـنـي24 – عـزيـز بـالـرجـمـة
يُعد محمد هشاني، المعروف وسط ساكنة جماعة عين حرودة بلقب “ولد بوعلام”، من الوجوه السياسية التي بصمت فترة من الزمن المحلي بتجربة تدبيرية أثارت الانتباه، سواء من حيث خلفيته المهنية أو من خلال طريقة اشتغاله داخل المجلس الجماعي.
هو ابن المرحوم بوعلام هشاني، الرجل الذي ترك أثراً طيباً لدى الساكنة، والذي يُعد من الجيل الذهبي الذي واكب مراحل التأسيس والتطور الأولى بالجماعة.
وقد ورث محمد هشاني عن والده صفات الخلق الحسن ونَفَس الخدمة العامة، ونسج علاقته بالمنطقة من موقع انتماء وجداني قبل أن يكون سياسياً.
ولد محمد هشاني بتاريخ 7 يوليوز 1970 بمنطقة عين السبع بمدينة الدار البيضاء، وهو متزوج وأب لثلاثة أبناء، ولدين وبنت.
يحمل هشاني تكويناً وخبرة في مجال التهوية وتكييف الهواء، وقد تحمل مسؤولية مقاولة متخصصة في هذا المجال وتولى إدارتها منذ سنة 2002، بعد وفاة والده، حيث ركز نشاطه على محاربة تلوث الهواء وتطوير تقنيات التهوية الصناعية، ما منحه تجربة في التسيير والمبادرة الخاصة جعلت منه فاعلاً اقتصادياً قبل أن يصبح فاعلاً سياسياً.
جاء قرار دخول محمد هشاني إلى العمل الجماعي إيماناً منه بخطب جلالة الملك محمد السادس، التي ألحّ فيها جلالته حفظه الله على ضرورة مشاركة الشباب في العمل الجماعي وتحمل مسؤوليتهم في خدمة الوطن والمواطن.
دخوله إلى عالم السياسة كان سنة 2014، من بوابة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث تولى مهمة كاتب فرع الحزب بعين حرودة، قبل أن يقرر في استحقاقات 2015 الترشح للانتخابات الجماعية وكيلاً للائحة الحزب نفسه.
تجربة هشاني السياسية كانت فريدة من نوعها، إذ حظي بثقة الساكنة رغم حداثة عهده بالسياسة، واستطاع الفوز بمقعده وتولي رئاسة المجلس الجماعي لعين حرودة بإجماع أعضاء المجلس، في سابقة قلّ نظيرها في المشهد المحلي.
اللافت في تجربة هشاني أنه استطاع تجميع دعم واسع من قبل ثمانية أحزاب كانت حاضرة في المشهد الانتخابي المحلي، ما عكس قدرته على خلق توافقات وتوازنات سياسية ساعدته في تشكيل المكتب المسير، وفتح قنوات تواصل مباشرة مع الساكنة.
وقد كانت هذه القنوات امتداداً لتجربة سابقة له ضمن اللجنة المحلية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2006، ما يعكس انخراطه المبكر في قضايا التنمية المحلية.
وخلال فترة ترؤسه للجماعة، واجه هشاني عدداً من التحديات الكبرى، أبرزها المشاكل الاجتماعية المرتبطة بدور الصفيح وتعقيدات نزع الملكية، بالإضافة إلى العراقيل السياسية التي اصطدم بها من قبل بعض الخصوم، ممن مارسوا ضغوطاً وصفتها الساكنة بأنها “عصى في الرويضة”.
ورغم أن هشاني لم يكن في صراع مباشر مع أي طرف سياسي، إلا أن محيط العمل داخل الجماعة كان محفوفاً بالتحفظات والنوايا المعطلة، الأمر الذي تطلب منه جهداً مضاعفاً لتجاوز تلك العقبات.
ومن الأسباب التي عانى منها محمد هشاني خلال تجربته في رئاسة المجلس، تلك المرتبطة بالقوانين التنظيمية وقوانين التدبير، حيث أصبح من الواضح أن مجرد تولي رئاسة جماعة محلية هو بمثابة دخول في سراح مؤقت، كما أشار إلى ذلك وزير العدل عبد اللطيف وهبي في إحدى خرجاته المثيرة للجدل، حين قال: “عطيني أسبوع، وأدخلك السجن أي رئيس جماعة من بين 1524″، في سياق حديثه عن مشروع إصلاح قانون المسطرة الجنائية.
وهي إشارة تؤكد حجم الضغط الذي يعيشه رؤساء الجماعات، إذ بدل أن يتفرغوا لخدمة الساكنة، يصبح همهم الأساسي هو الخوف من أي خطوة يمكن أن تُحسب ضدهم وتؤدي بهم إلى السجن.
وهو ما جعل هشاني، قبل دخوله عالم السياسة، يعتقد أنه سيجد الحماية القانونية الكافية، لكن واقع الحال كان مخالفاً، ما جعل العديد من المقربين منه يطالبونه بالابتعاد عن هذا العالم تجنباً لأي مآلات غير محمودة.
بفضل ذكائه في التسيير وغيرته الصادقة على المنطقة، تمكن محمد هشاني من إطلاق عدد من المشاريع المهمة التي رأت النور رغم الإكراهات، وقد حظي بدعم وثقة من سلطات عمالة المحمدية، وعلى رأسها عمال صاحب الجلالة الذين أبدوا حرصاً على مواكبة أوراش التنمية المحلية.
هذه العلاقة الإيجابية بين رئاسة المجلس والسلطة الإدارية ساهمت في الدفع بمجموعة من الملفات التنموية، وعززت صورة الرئيس كشخصية تحظى باحترام مؤسسات الدولة.
اختار هشاني ألا يترشح في الانتخابات الجماعية لسنة 2021، بعدما قرر الابتعاد عن السياسة والعمل الجماعي، بسبب صراعات داخلية متزايدة وشكايات كيدية متكررة، بالإضافة إلى ضعف التزام بعض الموظفين بأداء واجبهم المهني وعدم تحملهم لمسؤولياتهم.
ورغم أن شرائح واسعة من الساكنة لا تزال تنادي بعودته إلى العمل الجماعي، فإن هشاني ظل وفياً لقراره الذي يعتبره صائباً، مفضلاً التفرغ لأسرته ومقاولته، بعد أن دفع ثمناً باهظاً لحبه الصادق للمنطقة وولائه للساكنة.
خروج هشاني من رئاسة المجلس لم يكن خروجا عادياً، بل تم في ظروف تشهد على نجاعة تسييره.
فقد غادر الجماعة وهو مرفوع الرأس، بعد أن ترك فائضاً مالياً قُدّر بـ20 مليار سنتيم، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الجماعة.
كما استفادت الجماعة خلال فترة رئاسته من تعويضات مهمة من وزارة الداخلية، اعترافاً بنجاعة التسيير والتدبير العقلاني الذي طبع فترته، رغم كثرة العراقيل والمؤامرات الإدارية والسياسية التي كانت تحيط به.
وفي المقابل، تعيش جماعة عين حرودة اليوم وضعاً مقلقاً، وصفه الكثيرون بــ”الكارثي”، خاصة في قطاع النظافة، حيث نالت الجماعة انتقادات واسعة من قبل الإعلام المحلي والمهني، مدعومة بتقارير رقابية رسمية تؤكد سوء التدبير والارتباك في التسيير.
هذا التدهور الشامل يدفع اليوم الكثير من المواطنين إلى استحضار تجربة هشاني والمقارنة بين الأمس واليوم.
وتعليقاً على هذا الوضع، تترقب ساكنة عين حرودة تدخل العامل الجديد على عمالة المحمدية، السيد عادل المالكي، من أجل تحريك الملفات الراكدة وفتح تحقيقات في الأسباب التي أوصلت الجماعة إلى هذا المستوى، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، انسجاماً مع التوجيهات الملكية السامية التي ما فتئت تدعو إلى التنمية العادلة وتكريس الحكامة الجيدة.
في نهاية المطاف، تبقى تجربة محمد هشاني نموذجاً لرجل دخل السياسة من باب المسؤولية لا المصلحة، وغادرها بشهادة نادرة من الساكنة والإدارة على حد سواء، بأن الرجل كان صادق النية، نزيه اليد، واضح المسار، وناجح التسيير.
ورغم انسحابه الطوعي، فإن بصمته لا تزال حاضرة في ذاكرة عين حرودة، التي لا تنسى من خدمها بوفاء.