استنفار إداري ببوزنيقة بعد تحريك عامل بنسليمان لمخطط تنظيمي من عهد الرئيس السابق محمد كريمين

في وقتٍ ينشغل فيه رئيس المجلس الجماعي لبوزنيقة طارق الخياري بمتابعة قضايا الساكنة وتدبير مصالحها الإدارية والاجتماعية مباشرة بعد دورة أكتوبر، فوجئت أطر الجماعة بمحاولة إحياء المخطط التنظيمي (Organigramme)، الذي ظل مركوناً في رفوف الإدارة منذ سنة 2019، أي منذ عهد الرئيس السابق امحمد كريمين، دون أن يرى النور طوال الولاية الماضية.

الخطوة التي فاجأت الجميع تمثلت في استدعاء لجنة الانتقاء من طرف عمالة الإقليم، في غياب أي إعلان رسمي أو توضيح إداري مسبق، وهو ما أثار موجة من التساؤلات داخل الجماعة، خاصة بعدما لاحظ الموظفون أن تفعيل المخطط يجري في ظروف غامضة، وبطريقة تُوحي بانتقاء أطر محددة وإقصاء أخرى.

مصادر من داخل الجماعة أوضحت أن بعض الأطر الإدارية تستفيد منذ سنوات من امتيازات خاصة داخل الإدارة، رغم محدودية أدائها، في حين يُقصى موظفون آخرون أكثر كفاءة من مهام ومسؤوليات تناسب مؤهلاتهم، وهو ما جعل كثيرين يتخوفون من أن يتحول المخطط التنظيمي إلى أداة لإعادة توزيع النفوذ الإداري بدل أن يكون وسيلة لتصحيح الخلل الهيكلي داخل المؤسسة.

ويؤكد عدد من المتتبعين للشأن المحلي بجماعة بوزنيقة أن المخطط الحالي بات متجاوزاً بحكم التقادم، إذ تمت صياغته في سياق إداري ومؤسساتي مختلف تماماً عن الوضع الراهن.

فالجماعة اليوم تواجه نقصاً حاداً في الموارد البشرية، وضعفاً في الإمكانيات اللوجستيكية والإدارية، وهو ما يجعل تنزيل المخطط القديم دون مراجعة أو تحيين بمثابة خطوة مرتجلة قد تُعمّق الإشكالات بدل حلّها.

تساؤلات عديدة تُطرح في هذا السياق: لماذا لم يُفعَّل المخطط التنظيمي خلال فترة امحمد كريمين؟ ولماذا اختير هذا التوقيت بالضبط لإعادة تحريكه بعد ست سنوات من الجمود؟ وهل ستتم إعادة صياغته بما يضمن تكافؤ الفرص بين الأطر ويعكس واقع الجماعة؟

وبينما يترقب الموظفون مآلات هذا الملف، تشير المعطيات إلى أن الرئيس طارق الخياري لم يتخذ بعد موقفاً رسمياً من الموضوع، بحكم حساسيته الإدارية ودقّته، في وقت يركّز فيه على الملفات التنموية والاجتماعية التي كانت محور دورة أكتوبر، والتي تهم البنية التحتية والنظافة والتدبير اليومي لشؤون المواطنين.

غير أن ما يتخوف منه البعض هو أن يؤدي إحياء هذا المخطط إلى خلق انقسامات داخل الجسم الإداري للجماعة، خاصة إذا لم تُراعَ مبادئ المساواة والاستحقاق في عملية الانتقاء والتعيين، وهو ما قد يعرقل المجهودات الحالية لإرساء توازن إداري جديد يعيد الثقة للمرفق الجماعي.

ويرى متابعون أن الرهان الحقيقي اليوم ليس في تفعيل وثيقة تنظيمية قديمة، بل في إعادة صياغة رؤية إدارية شاملة تنطلق من تقييم الكفاءات وتوزيع المهام بعدالة وشفافية، بما يضمن نجاعة أكبر في خدمة الساكنة وتحقيق التنمية المحلية المنشودة.

ما يجري اليوم داخل جماعة بوزنيقة ليس تفصيلاً إدارياً عابراً، بل عنوانٌ على صراع هادئ حول السلطة داخل الإدارة الجماعية.

فالمخطط التنظيمي الذي ظل مجمّداً منذ 2019 لم يكن ضحية الإهمال فقط، بل نتيجة توازنات دقيقة داخل المؤسسة، كانت تخشى أي إعادة هيكلة قد تُسقط امتيازات راسخة.

اليوم، يجد الرئيس طارق الخياري نفسه أمام امتحان دقيق: إما أن يُفعّل الإصلاح الإداري بشجاعة في إطار من الشفافية والمساواة، أو يُتهم بالتواطؤ مع واقع إداري مهترئ يكرّس الزبونية والانتقائية.

الذين يتابعون تفاصيل ما يجري داخل جماعة بوزنيقة يدركون أن ما يحدث اليوم ليس مجرد تطبيق إداري لمخطط تنظيمي مؤجل، بل هو انعكاس لصراع قديم حول النفوذ داخل الجهاز الإداري، ظل يتوارى خلف لغة القانون والهيكلة.

فالمخطط التنظيمي الذي لم يُفعّل منذ سنة 2019 لم يكن غائباً عبثاً، بل لأن تفعيله في حينه كان سيفتح الباب أمام إعادة توزيع السلطة داخل الإدارة، وهو أمر لم يكن مرغوباً فيه من بعض الأطراف التي راكمت امتيازات بعيدة عن منطق الكفاءة والاستحقاق.

عودة هذا الملف إلى الواجهة اليوم، في ظل رئاسة طارق الخياري، تضع الأخير أمام اختبار القيادة الإدارية أكثر من السياسي، لأن أي تسرّع في تنزيل المخطط دون مراجعة شاملة قد يخلق شرخاً داخل المؤسسة ويقوّض مجهوداته في إعادة بناء الثقة مع الساكنة.
بوزنيقة اليوم لا تحتاج إلى “Organigramme” بقدر ما تحتاج إلى إرادة تنظيمية جديدة، تعيد الاعتبار للكفاءة وتُنهي زمن الولاءات الضيقة. فالهيكلة الحقيقية ليست على الورق، بل في العقول التي تؤمن بأن تدبير الشأن المحلي يبدأ من إصلاح البيت الداخلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Managed by Immediate Bitwave