الـربـاط / عزيز بالرحمة
قال المصطفى بنعلي، الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، إن زمن التبرير انتهى، مشددًا على أن المرحلة المقبلة تتطلب ترسيخ ثقافة النتائج والمحاسبة في تدبير الشأن العام، وفق ما دعا إليه الخطاب الملكي الأخير، الذي أعاد رسم أولويات الدولة والمجتمع على أسس العدالة الاجتماعية والمجالية.
جاء ذلك خلال الاجتماع الدوري للمكتب السياسي للحزب، المنعقد يوم السبت 11 أكتوبر 2025 بالمقر المركزي بالرباط، والذي خُصص لتدارس مستجدات القضية الوطنية وتفاعلات المشهد السياسي والاجتماعي، إلى جانب التطورات الإقليمية والدولية ومتابعة الوضع التنظيمي الداخلي للحزب.
في بداية أشغال الاجتماع، تدارس المكتب السياسي التقرير الذي قدمه الأمين العام حول تطورات القضية الوطنية الأولى، مسجلاً أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الأخير أكد من جديد وجاهة المبادرة المغربية للحكم الذاتي كإطار جدي وواقعي للحل، ومبرزًا أن هذا الموقف الأممي يأتي في سياق يتزامن مع الاحتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، بما تحمله من رمزية وطنية متجددة في الذاكرة الجماعية للمغاربة.
وأكد المكتب السياسي أن الموقف الدولي بات أكثر وضوحًا في دعمه للرؤية المغربية، سواء عبر المؤشرات الإيجابية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي أو من خلال الانفتاح المتزايد للشركاء الدوليين على فرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية، مما يعزز موقع المملكة كقوة إقليمية موثوقة وفاعلة في فضائها الإفريقي والمتوسطي.
وفي قراءته لمضامين الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الجديدة، اعتبر المكتب السياسي أن جلالة الملك وضع خريطة طريق واضحة لإعادة بناء الثقة وتجديد العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس جديدة من الفعالية والإنصات والمردودية، داعيًا إلى تجاوز منطق التبرير واعتماد منهج العمل القائم على النتائج.
وأكد الحزب أن الخطاب الملكي حمل رسائل قوية بضرورة جعل العدالة الاجتماعية والمجالية أولوية استراتيجية، مع تسريع وتيرة التنمية في الجبال والواحات والسواحل والمناطق القروية التي ظلت لعقود على هامش البرامج التنموية.
وفي تفاعله مع الاحتجاجات الشبابية الأخيرة، التي أثارت نقاشًا واسعًا في الأوساط السياسية، اعتبر المكتب السياسي أن تلك التحركات تعبّر عن حيوية المجتمع المغربي ورغبته في الانخراط والمشاركة، داعيًا إلى التعامل معها بروح ديمقراطية ومسؤولة، ومؤكدًا أن تدبير الفضاء العمومي يجب أن يظل منسجمًا مع خيار الانفتاح واحترام الحقوق والحريات كما نص عليه الدستور.
كما شدد الحزب على أن اللحظة تستدعي من القوى السياسية تجديد أدواتها في التأطير والتواصل واستعادة ثقة الشباب في العمل الحزبي والمؤسساتي.
وفي ختام النقاش السياسي، خلص المكتب السياسي إلى أن المرحلة الراهنة تفرض إعادة بناء الفضاء التقدمي واليساري على أسس وحدوية وتجديدية، مشيرًا إلى أن الانقسامات التي عاشها اليسار في السنوات الأخيرة أضعفت حضوره في المشهد الوطني.
ودعا الحزب إلى إطلاق حوار وطني جاد ومسؤول بين مكونات اليسار المغربي، بهدف بلورة مشروع مجتمعي متجدد قادر على تقديم بدائل سياسية واقتصادية واجتماعية في مستوى التحديات الراهنة، معلنًا في الوقت نفسه استعداد جبهة القوى الديمقراطية للانخراط في أي مبادرة مسؤولة تسعى إلى توحيد الصف اليساري الوطني خدمةً لقضايا الوطن والمواطن.
وعلى المستوى الداخلي، شدّد المكتب السياسي على أن تجديد الفعل الحزبي يمر عبر تقوية الكفاءة داخل صفوف الحزب ومنتخبيه، وتطوير آليات التفكير والدراسات، إلى جانب الانفتاح على المجتمع عبر وسائط التواصل الحديثة، واستثمار التحول الرقمي كأداة للتعبئة والتفاعل المستمر مع المواطنين.
كما أعلن عن برمجة سلسلة من المهام التنظيمية المرتبطة بالتحضير لملتقى الشباب، وتكوين المنتخبين، وتفعيل الهيئات المختصة بالإعلام والدراسات، في أفق تحديث البنية التنظيمية للحزب وإعادة هيكلتها بما يستجيب لمتطلبات المرحلة المقبلة.
أما على الصعيد الدولي، فقد عبّر المكتب السياسي عن تضامنه الثابت مع الشعب الفلسطيني، ودعا إلى وقف الحرب ورفع المأساة الإنسانية عن قطاع غزة، مؤكدًا أن أي اتفاق لا يقوم على العدالة ووحدة الأرض والتمثيل الفلسطيني لن يحقق سلامًا دائمًا ولا استقرارًا حقيقيًا في المنطقة. وحذّر الحزب من الأبعاد السياسية للاتفاق الذي أعقب الحرب، معتبرًا أنه يكرّس الانقسام الفلسطيني ويهمّش الحقوق الوطنية المشروعة.
وبدا من خلال خلاصات اجتماع المكتب السياسي أن جبهة القوى الديمقراطية تسعى إلى تموقع جديد داخل المشهد الحزبي، يقوم على استعادة الثقة في اليسار المغربي، وتفعيل دور الحزب كقوة اقتراحية قادرة على ملامسة القضايا الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، بما ينسجم مع التحولات الوطنية والدولية التي يشهدها المغرب.