وطني24 / هاجر كريم العلوي
في إطار سلسلة اللقاءات الفكرية التي تهدف إلى إعادة الاعتبار للفكر الفلسفي في المغرب، استضاف مدرج ابن سينا بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء، يوم الجمعة 15 نونبر على الساعة السابعة والنصف مساءً، لقاءً فلسفيًا مميزًا مع المفكر المغربي محمد نور الدين أفاية.
المداخلة، التي جاءت تحت عنوان: “الكون وما يضاده، أو كيف بمقدورنا البقاء أحياء؟”، لم تكن مجرد خطاب أكاديمي، بل كانت رحلة عميقة في مساحات الفكر الإنساني الوجودي، وتجديدًا للحوار بين الإنسان ومحيطه.
وفي هذا السياق، انطلق محمد نور الدين أفاية من أسئلة جوهرية حول التحديات التي تواجه الإنسان في سياقات متغيرة تتسم بالتعقيد والتسارع.
قدم طرحًا فلسفيًا ينطلق من فهمنا للكون في علاقته بالإنسان، حيث شدد على أن التفكير الفلسفي هو أداة ضرورية لمواجهة الأزمات في عالمنا المعاصر.
ومن الجدير بالذكر أن أفاية سبق أن تناول هذه الإشكاليات في كتابه الحائز على جائزة “أهم كتاب عربي لعام 2015” بعنوان “النقد الفلسفي المعاصر: مصادره الغربية وتجلياته العربية”.
وقد أعاد في هذا اللقاء التأكيد على أن الفلسفة ليست ترفًا فكريًا، بل حاجة ملحّة تعيد للإنسان إدراكه لجذوره ووجوده.
وعلى صعيد آخر، ركزت مداخلة أفاية على ضرورة التفاعل العقلاني مع التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، من تقدم تقني متسارع إلى الصراعات السياسية والثقافية.
في هذا الإطار، أبرز أهمية النقد الفلسفي كوسيلة لإعادة صياغة علاقتنا مع ذواتنا ومع العالم المحيط بنا، مذكّرًا بأن التحديات ليست مجرد تهديدات، بل هي أيضًا فرص لإعادة التفكير في مفهوم الحياة وكيفية البقاء الإنساني.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين الإنسان والفن، أشار أفاية إلى أن الفن والجماليات يمكن أن يشكلا أدوات فاعلة في استعادة التوازن الإنساني في مواجهة الاضطرابات الراهنة.
وأكد أن الاهتمام بالفن والجماليات ليس ترفًا، بل جزءًا من الحلول الممكنة لتعزيز قيم الحرية والتسامح في عالم مثقل بالأزمات.
أما فيما يتعلق بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا، لم يغفل اللقاء الإشارة إلى تأثير هذه الوسائل على الوعي الفردي والجماعي.
فقد أوضح أفاية أن هذه الأدوات، على الرغم من إمكانياتها الهائلة، تحمل في طياتها تهديدات قد تعصف بالقيم الإنسانية إذا لم يتم ضبط استخدامها.
كما تحدث عن التداخل بين الواقعي والافتراضي، مشددًا على ضرورة اليقظة الفكرية لمواجهة هذا الواقع الجديد.
وفي ختام اللقاء، أكد محمد نور الدين أفاية على ضرورة تعزيز التفكير النقدي في مناهجنا التربوية والثقافية.
فالفلسفة، برأيه، ليست فقط أداة لفهم العالم، بل هي وسيلة لتغييره بطريقة أكثر إنسانية.
وهكذا، لم يكن “لقاء الفلسفة” مع أفاية مجرد جلسة فكرية تقليدية، بل كان دعوة مفتوحة إلى التفكير النقدي والابتعاد عن الحلول السطحية لمشاكل العالم.
في ظل التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية، قدمت هذه المداخلة رؤية تجمع بين عمق الفكر الفلسفي وواقعية الطرح العملي.
وبالنظر إلى أهمية مثل هذه المبادرات التي تجمع بين الفكر والنقد، نجد أنها تُعيد للفلسفة دورها المحوري في المجتمع. كما تؤكد أن المغرب، من خلال مفكريه وكتابه، يظل منخرطًا في النقاش العالمي حول القضايا المصيرية التي تواجه البشرية.