بقلم – عزيز اجهبلي
ما الذي يمكن أن نتوقعه في المستقبل حين نرى بأم أعيننا سلوكا نقابيا لا عهد لنا به من ذي؟ في حدود علمي المتواضع، وأتمنى ألا أكون مخطئا، هو أن النقابات أنشئت بالأساس من أجل الدفاع عن حقوق منخرطيها، والترافع عن المكتسبات التي حققوهم في مجال عملهم، لكن أن تتبني أقدم نقابة في المغرب مبدأ، أو قيمة من القيم، لا أقول إنها تجهلها، ولكنها قيمة لا تدخل ضمن مهامها، فإن ذلك سيجرنا، لا محالة، نحو متاهات لا أحد منا يستطيع التكهن بخطورة نتائجها في القادم من الأيام.
في وسائط التواصل الاجتماعي صادفت صورا لأكياس بلاستيكية زرقاء، أو ما يطلق عليها عادة بقفف رمضان، وقرأت بلاغا لإحدى النقابات التاريخية المحترمة، يقول إنه في إطار دينامية المكتب التنفيذي لفرعها في قطاع الصحافة والإعلام، وجميع من له علاقة بالإعلام ستتم شراكة مع إحدى المؤسسات المغربية بحضور عدة شخصيات وازنة، وسيتم بالمناسبة توزيع بعض المساعدات العينية على بعض الصحافيين، الذين يوجدون في وضعية صعبة في هذا الشهر المبارك، وذلك يوم السبت 9 أبريل 2022. ودعت هذه النقابة المنابر الإعلامية لتغطية الحدث الذي اعتبرته أول حدث إنساني في قطاع الإعلام والاتصال.
لغة البلاغ واضحة ولا غبار على مضمونه، خاصة حين تم التأكيد على أن الحدث هو الأول من نوعه في قطاع الإعلام والاتصال، بما يعني أن النقابة صاحبة المبادرة أضافت إلى مهامها المسطرة في نظاميها الأساسي والداخلي مهمة أخرى تدخل في إطار الأعمال الخيرية والإحسانية بعدما تخلى عدد من الهيئات السياسية والمدنية على مثل هذه المهام، وثارت ثائرة رواد منصات التواصل الاجتماعي، وكذا الفاعلين الحقوقيين ضد سلوكات مجموعة من الجمعيات التي كانت تخلط بين الحق والإحسان وتقدمها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة على أنها بذلك تدخل الفرحة على قلوب محرومي هذا الوطن لكن للأمر دلالات خفية تسيء للمانح وللمستفيد.
شخصيا لا أريد من النقابة المعنية أن تجيبني على الأسئلة التي أطرحا. لماذا إذن التركيز على الجسم الصحفي بدل جسم آخر، مع أن هذه المركزية النقابية لها امتدادات تنظيمية واسعة خارج قطاع الإعلام والصحافة، وحتى العوز الذي أشار إليه البلاغ، قد يسري على فئة أخرى أكثر من سيرانه على فئة الصحافيات والصحافيين؟
الدعوة التي وجهتها هذه النقابة إلى المنابر الإعلامية لتغطية الحدث، هل تريد بذلك فعلا المواكبة الإعلامية لهذه المبادرة والعمل على إشعاعها والاهتمام بالجمعية الشريكة لها، أم أن هناك خلفية أخرى لذلك كالتشهير بالصحافيات والصحافيين الذين استفادوا من القفة؟
في اعتقادي أن هذه النقابة قد تماهت مع فكرة أن العوز والفقر ليس بذنب، وليس بجريمة، بل الأمر عادي جدا، وأن لا سبيل للقضاء على هذا العوز إلا بالاستفادة من قفة رمضان، وبذلك تكون قد زاغت عن الأهداف التي رسمتها منذ بداياتها الأولى والمتمثلة في الدفاع عن الحقوق وتحصين المكتسبات. ألم تر هذه النقابة في التخلص من العوز سوى هذا الإجراء، أليس هناك حقوق لفئة الإعلاميين والصحافيين يجب الدفاع عليها عوض القفة؟
من خلال سلوك هذه النقابة، اتضح أن غيوم الشك تلوح في الأفق بالنسبة لمستقبل النقابات في المغرب تحديدا. وإطلاق مثل هذه المبادرات يفرض أسئلة كبرى حول مستقبل العمل النقابي في بلدنا الحبيب، ومن خلال ذلك فإن الخوف يتملكنا لأن الاتجاه الذي نسلكه في مجال العمل النقابي والإعلامي والصحفي بعيد عن تحقيق العدالة الاجتماعية.
إنه سلوك يوحي لنا بانخفاض في معدلات الكثافة النقابية في المغرب، وفي ظل هذه الخلفية، لماذا لم تبحث هذه النقابة في الفوارق الاجتماعية بشكل دقيق وعلمي بين العمال الذين يتمتعون بوظائف مستقرة بأجور جيدة، والعمال الذين يعملون في وظائف غير مستقرة بأجور ضعيفة وغير ثابتة، أو الذين لا يعملون على الإطلاق. لماذا تختار هذه النقابة توزيع القفة بدل خوض معارك ونضالات في سبيل تحسين الأجور الذي يعتبر في الأدبيات النقابية المخرج الوحيد والأوحد من هذا “الوحل”.