بقلم:الصغيري رضوان
كما يعلم كل من اطلع على الكتاب، أن الكاتب قد قام بالتعليق عن عدة أحداث تخص قضية الصحراء المغربية، لعل أبرزها ما له علاقة بوحدتنا الترابية، التي تعتبر لازمة لوحدة أمتنا العربية والمغاربية، وقد أحاط مؤلف الكتاب بهذه القضية من كل جوانبها، كما استشرف مسار العلاقات المستقبلية بين دول الاتحاد المغاربي ، وكيف يمكن لها أن تسترجع عافيتها وحيويتها ، في خضم التنافس حامي الوطيس الذي شهدته وتشهده المنطقة ، وسنقوم بدورنا كباحثين مهتمين بهذا الشأن بالإسهام في التعليق على الموضوع ، من خلال إثارة بعض النقط التي نعتقد أنها ذات أهمية، في مسار علاقات دول الاتحاد المغاربي، خاصة أن الفرصة مناسبة للتفكير في إعادة إحياء الاتحاد، نظرا لما يعرفه العالم اليوم من ضائقة اقتصادية بسبب جائحة وباء كورونا المستجد، ونظرا للحاجة الملحة لاقتصادات دول الاتحاد المغاربي لبعضها البعض، أكثر من حاجتها لغيرها، وقد جلت لنا السنوات التي خلت، حقيقة الانتظارات الواهية، التي لطالما اعتقدنا أنها لا محالة، المخلص من تلك التبعات الاقتصادية التي أنهكت دول الاتحاد إبان فترة الاستعمار، ولا تزال تعصف ببعضها إلى يوم الناس هذا، مقال سنحاول من خلالها لمزج بين ما حمله الماضي من وقائع وأحداث ، وبين الحاضر الذي ينهل من ذاك الماضي شئنا أم أبينا، إنه حاضر يجعلنا دائما نرجع ولو لوهلة إلى الوراء، كي نتساءل عما يشهده يومنا هل هو نتيجة أمسنا، ويستمر التساؤل ويستمر معه اليقين الراسخ، أن ما نأكله اليوم هو بذرة الأمس، لذا علينا أن نحسن الزرع كي يزدهر الحصاد، وأن الأخطاء التي شابت عملية الزرع، هي فرص لتصحيح مسار الإنتاج، نعم إنها عملية تصحيح مسار، ذاك هو ما يجب أن تعمل عليه بلداننا المغاربية، كي تكون في الموعد مع طموحات شعوبها المنادية كل يوم بضرورة إعادة إحياء حلم الاتحاد المغاربي، خصوصا وأن الفرصة أصبحت مواتية أكثر من أي وقت مضى، نظرا لما ألم بالعالم جراء هذه الجائحة المدمرة، وهوما يدفعنا لطرح التساؤلالتالي:هل سيعيد هذا الوباء حلم إعادة تفعيل اتحاد المغرب العربي للواجهة؟
لا شك أن أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) على الرغم من سلبياته المتعددة، فإن له أيضا إيجابيات وجب اقتناصها والاستفادة منها، لأن الوضع يعتبر لحظة تاريخية وخطوة نحو التغيير على مستوى مختلف الأصعدة الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية،فقد لا يختلف اثنان أن مجمل دول العالم أدركت يقينا ما الذي يمكن أن يجعلها تنجو في خضم هكذا أزمات حالكة تعصف بالأخضر واليابس، بحيث هزت رياح الأزمة ما كان مستقرا من علاقات واتفاقيات بين الدول، شقيقة كانت أم صديقة، وضربت ما كان مترسخا من مبادئ دولية كانت أم إقليمية، بحيث أصبحت الدول تفكر في مصلحة شعوبها أكثر مما تفكر في غيرهم، سواء كانوا داخل اتحادات أو تربطهم معها شراكات، مخافة حدوث أزمات داخلية قد تهز أمنها القومي، اللهم تلك العطاءات المحسوبة التي قد تقوم بها بعض الدول من الفائض المتوفر لديها أو الذي وفرته خصيصا لمثل هذه العمليات.
فلا صوت أصبح يعلو فوق صوت نفسي نفسي ، انقطعت الإمدادات واندثرت المعونات وأغلقت الحدود، فلا رائح يروح ولا غاد يغدو، انكمشت عمليات الاستيراد، وتوقفت عمليات التصدير، وأصبح مخزون كل دولة من المؤن والسلع يتبوأ مكانة عليا في سياسات الأمن الداخلي، وأن تكسب الدول ود الأخرى، أمر أصبح يتطلب إمدادها بالتجهيزات والمعدات الطبية وشبه الطبية، التي جعلت منها الأزمة مخزونا استراتيجيا، وهنا لابد من التنويه بالمبادرة، المغربية لمواكبة عدة دول أفريقية في جهودها لمحاربة وتدبير جائحة كوفيد 19، وذلك بتزويدها بمواد معقمة، كمامات، أقنعة واقية، سترات طبية وأدوية، كلها من صنع مغربي وفق معايير منظمة الصحة العالمية، وهي مبادرة تدل على إلتزام المغرب بالشراكة التضامنية والتعاون تجاه شعوب القارة السمراء، شراكة قائمة على مبدأ رابح-رابح، فبقدر ما يمكن لكل دولة أن تنجد وتساعد خلال هذه الفترة الحرجة، بقدر ما يمكنها أن تكسب مزيدا من الود والشراكات المستقبلية ، بل قد يفضي الأمر إلى كسب رهان السيطرة العالمية فيما بعد الأزمة، (التنافس الأمريكي-الصيني) حينها ستكون الاقتصادات بعد الجائحة في حاجة لمن ينعشها بالسلع التي ترجع للأسواق حركيتها، والتقنيات التكنولوجية المتطورة والمواد الأولية التي من خلالها تسترجع الشركات نشاطها وعافيتها.
بعد أن قمنا بتمهيد للأحداث الأساسية في هذه الجائحة التي ألمت بالعالم، لابد من التركيز على نقطة محورية وهي أساس هذا المقال، ألا وهي سرعة تعافي الاقتصاد العالمي من دولة لأخرى، وكيف يمكن للاتحادات أن تلعب دورا أساسيا في التخفيف من وطأة هذا الوباء، عبر التضامن فيما بينها وتحمل الديون الملقاة على عاتق الدول الأكثر تضررا في الاتحادات، من خلال تقسيم مجموع الديون على دول الاتحاد بأكملها، وكذلك بنهج خطة فريدة تمكن دول الاتحاد من التركيز على الدول الأكثر تضررا في هذه الاتحادات، بحيث يتم وضع كل الخبرات والإمكانيات، العلمية منها والتكنولوجية والصناعية وغيرها من الامتيازات والحقوق، التي يكفلها الاتحاد للدول الأعضاء فيه، وهو ما سيخفف العبء عن الدول المتضررة لتمكينها من استئناف الأنشطة الاقتصادية، وضخ روح جديدة في اقتصادها.كل هذا يجعلنا نطرح الأسئلة التالية: ما مدى قدرة دول العالم الثالث عامة ، ودول الاتحاد المغاربي خاصة على مكابدة تبعات هذه الجائحة وحيدة، في ظل التشتت والتمزق الذي تعيشه؟ هل السياسات الانفرادية التي تنهجها دول الاتحاد المغاربي، ستجدي نفعا في تخطي آثار الجائحة بأمان؟ أم أنها ستجد نفسها عاجزة عن التعامل مع ثقل هذه الجائحة في شتى المجالات؟ وكيف ستؤثر لعنة التفرقة التي لازالت تحكم المشهد السياسي بدول المغرب العربي؟ وهل ستكون هذه النوبة الشبيهة بالسكتة القلبية التي ضربت العالم، درسا مفيدا لدول الاتحاد المغاربي، لإعادة استدراك ما يمكن استدراكه، من خلال إعادة ترتيب البيت الداخلي وطي صفحة الماضي؟ أم أنها ستفضل خوض نفس الطريق وقد أنبأتها السنوات الخداعات التي خلت، أنه لا يفضي إلا إلى التبعية وفتح الطريق أمام دول تعمل جاهدة لاستمرار هذا التنازع، كي تعيث في خيرات هذه البلدان وثرواتها يمنة ويسرة؟ أسئلة نطرحها بلسان حال شعب مغاربي، لطالما منى النفس ببزوغ فجر ليل طال ظلامه.
لم تشأ الأقدار أن يتحقق حلم السواد الأعظم من شعوب المغرب الكبير التواقة لرؤية حلم الاتحاد المغاربي حقيقة، رغم محافظة هذا الاتحاد على مختلف تشكيلاته منذ تأسيسه سنة 1989، إذ لا ينقصه سوى التفعيل على أرض الواقع، ودائما ما كانت الأصوات تنادي بذلك، نظرا للأزمات المتكررة التي تعيد كل مرة هذا النداء إلى الواجهة، سيرا على خطى باقي الاتحادات بالعالم، التي غالبا ما تسترجع عافية اقتصاداتها، من خلال التضامن والتعاون الذي يتم عبر هذه الكيانات، لكن يبدو أن هذا الصوت لم يسمع بعد، إذ لا تزال بعض الحزازات والحسابات الضيقة تسيطر على المشهد، إذ أن بعض الدول اختارت مسارا مغايرا ينافي سياسة توحيد الصف التي نص عليها اتفاق تأسيس الاتحاد المغاربي، والعمل على جعل الاتحاد ، قوة إقليمية وازنة، علما أن الاتحاد يتوفر على كل ما يلزم من مقدرات وإمكانيات مادية ولا مادية، كفيلة بجعله منافسا قويا على المستوى الإقليمي، وهو ما تدركه جيدا بعض الجهات التي تعرقل باستمرار، كل الجهود المبذولة في سبيل إعادة ضخ الدماء في الاتحاد الذي ولد ميتا، قوى لا تجد حرجا في جعل السوق الأفريقية مجالا حيويا استراتيجيا لتصريف منتجاتها والعكس غير ممكن في نظرها، رغم توقيع عدة اتفاقيات في إطار علاقات التبادل التجارية، والعيب ليس في الشراكات ولكن في هشاشة اقتصادات هذه الدول، التي لا تقدر على منافسة اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعل تلك الاتفاقيات تصب في صالح الجهة الأقوى، في حين أنه إذا ما تم انفتاح دول الاتحاد المغاربي فيما بينها، ستكون بذلك قادرة على تحقيق التكامل المنشود، نظرا لعدم وجود تفاوتات شاسعة بين اقتصاداتها،الأمر الذي سينعش التجارة البينية وتفتح كل دولة مجال الاستثمارات في المجال الذي تتميز به أمام المستثمرين المغاربيين، دون تحمل عبء تنقل السلع ورؤوس الأموال لمئات الكلمترات، زد على ذلك أن لهاته الدول المغاربية ما يجمعها من تاريخ وثقافة ودين ولغة وعلاقات نسب ومصاهرة، ستجعل هذه العلاقات تنمو وتتطور وتحقق الاندماج الاقتصادي والسياسي بكل يسر وسهولة، على عكس علاقات الشراكة التي تجمع الدول المغاربية حاليا مع باقي الدول خارج الاتحاد المغاربي، بحيث تشوب هذه الشراكات عدة عيوب ونقائص لا تخدم مصالح الدول المغاربية، فعندما تعقد دولة شراكات لوحدها مع اتحاد، كما هو الشأن للدول المغاربية مع الاتحاد الأوروبي مثلا، فإنها تكون هي الحلقة الأضعف في هذه الشراكة مقارنة مع الشراكات التي تكون بين اتحاد مع اتحاد آخر.
على الدول المغاربية أن تفهم بأن علاقة الجوار الحتمية التي تجمعها مع باقي الدول لا مفر منها، وإن لم تستغل في صالح الاتحاد، فستكون النتائج عكسية على الدول المغاربية، قد تعجز عن حلها منفردة، ومن الأفضل لها أن تمد يد العون لبعضها البعض، من أجل التغلب على المشاكل الكثيرة التي تشغل بال الشعوب المغاربية، وعلى رأسها الأزمات الوبائية، التي أصبحت تهدد القارة الأفريقية التي تعتبر بؤرة متجددة لمثل هذه الأوبئة، والدول المغاربية ليست في منأى عن ذلك، فقد عرى الفيروس عن هشاشة بعض الدول في مواجهة هذا الوباء، الأمر الذي يهدد سلامة وصحة شعوب القارة عامة والاتحاد المغاربي خاصة، نظرا للتشارك الجغرافي الذي أصبح يفرض نفسه، في واقع أقل ما يقال عنه أنه لا مجال فيه للأضعف.
طالب دكتوراه باحث بسلك الجغرافيا السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط