فارس:إننا اليوم أمام محطة حاسمة في بناء السلطة القضائية بكل مكوناتها وتطالبنا بكثير من التبصر والتجرد والشفافية

قال السيد مصطفى فارس الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة إفتتاح أشغال المؤتمر 30 لجمعية هيئات المحامين المنظم بمدينة فاس ،إن أي متتبع موضوعي لتاريخ مهنة المحاماة بالمغرب وما خلده أساطينها من تراث غني وتقاليد وأعراف راسخة عبر عشرات السنين لا يمكنه إلا أن يفخر اليوم بالحضور بهذا المؤتمر الثلاثين حيث تحتضن جمعيات هيئات المحامين الجميع في لقاء ذي أبعاد مهنية وحقوقية ومجتمعية متعددة.

مؤتمر بروح وطنية هادفة أصيلة وآفاق كبرى تحتضنه للمرة الرابعة عاصمة المغرب العلمية فاس حيث تمتزج الأصالة والعراقة والتاريخ بالدينامية والحداثة والمستقبل.

فكل الشكر والثناء للسيد الرئيس وأعضاء مكتب جمعية هيئات المحامين على هذه العناية الكبيرة والمبادرة القيمة.

وتحية ود وتقدير لكل السادة النقباء الأجلاء والمحامين الأعزاء الذين أؤكد لهم استعدادنا الدائم وإرادتنا الصادقة كسلطة قضائية لمواصلة المسيرة معا جنبا إلى جنب بحس وطني وضمير مسؤول خدمة للعدالة ببلادنا وتكريسا للأوراش الإصلاحية الكبرى التي يقودها جلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين من أجل بناء دولة الحق والمؤسسات والكرامة والحرية والمساواة .

الحضور الكريم؛

مؤتمركم اليوم يتزامن مع الذكرى الثانية لتنصيب أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية من طرف جلالة الملك.

حدث ذو دلالات متعددة تعبر عن سنوات طوال من العمل الدؤوب ساهم فيه الجميع وعلى رأسهم  إطاركم العتيدة جمعية هيئة المحامين بالمغرب .

نضالكم أيها السيدات والسادة المحامون من اجل تكريس استقلال حقيقي للسلطة القضائية وضمان سيادة القانون موشوم  وموثق بمؤتمراتكم وندواتكم  ومناظراتكم وتشهد على صدقه مرافعتكم ومذكراتكم بأروقة وقاعات  المحاكم.

منذ مؤتمر الدارالبيضاء سنة 1962 إلى اليوم وأنتم تضعون ضمن صميم انشغالاتكم ومبادراتكم وتوصياتكم قواعد المحاكمة العادلة وصيانة الحقوق والحريات وهو ما يعكس إيمانكم العميق بأنه لا عدالة  إلا  بسلطة قضائية  مستقلة نزيهة وبمحاماة كفؤة متطورة.

 واليوم ونحن في محطتنا الثانية من  التأسيس لا بد من مواصلة العمل المشترك الجاد من أجل مواجهة التحديات القادمة.

 اليوم لا مجال إلا للمقاربات التشاركية الحقيقية بعيدا عن أي منطق آخر إلا مصلحة الوطن.

أمامنا أوراش كبرى تهم التكوين والتخليق والتحديث والنجاعة والجودة.

 أمامنا تحدي تكريس الثقة لدى المتقاضين.

 وهي واجبات دستورية وقانونية وأخلاقية تلزمنا جميعا  كأسرة واحدة ببناء جسور تواصل حقيقي قوامه الاحترام والإنصات والمبادرة الجادة.

 وهو ما حرصنا على تفعيله كمجلس أعلى للسلطة القضائية حيث عقدنا عددا من اللقاءات التواصلية برحاب محكمة النقض ضمت كل السادة نقباء هيئات المحامين والمسؤولين القضائيين إضافة إلى مشاركتنا في كل من المؤتمر الدولي بفاس حول موضوع : ” تطورات مهام المحامي” والاجتماع الثاني للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب بوجدة،  فضلا عن لقاءاتنا مع شبكة المحامين المغاربة المقيمين بالخارج بكل من الرباط ومراكش واحتضاننا لفعاليات الذكر ى المئوية لتأسيس نقابة المحامين بالرباط وحضورنا  لعدد من ندوات التمرين بأكادير والدارالبيضاء وتشرفنا بحضور كل السادة النقباء بمراسيم افتتاح السنة القضائية  وهي كلها تبقى في نظرنا محطات أساسية تجعلنا ننظر للمستقبل بكثير من اليقين والتفاؤل .

الحضور الكريم؛

 لقد اخترتم لمؤتمركم  الثلاثين شعار : ” من أجل تشريع يحقق الولوج المستنير إلى العدالة ” وهو يحمل الكثير من الأبعاد ويثير العديد من الإشكالات ويستدعي مجموعة من الرؤى والمقاربات.

 الولوج المستنير إلى العدالة الذي يعد من المحاور الكبرى التي أكد عليها جلالة الملك في عدد من خطبه السامية، وكانت موضوع نقاش مستفيض خلال الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة الذي أفرز عددا من التوصيات والآليات بشأنها .

موضوع يعد الحجر الأساس في كل المقاربات الإصلاحية والمرجعيات الدولية الوطنية، لأنه بكل بساطة يشكل التعبير الح إن الباب لتكريس الثقة هو تسهيل ولوج أبواب القانون والعدالة عبر تحديث التشريعات لتواكب مستجدات العصر وملاءمتها للالتزامات الدولية خاصة منها ذات الصلة بحقوق الإنسان، قوانين تساهم في تيسير البت داخل ّأجل معقول وضمان الأمن القضائي اللازم لتحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية فضلا عن دعم فعالية وشفافية الإدارة القضائية باستثمار ما تتيحه تكنولوجيا المعلوميات.

الرهان اليوم يتمثل في تمكين الأفراد والجماعات الذين يطالبون بحقوقهم من تشريع يخولهم اللجوء للعدالة بما يضمن لهم الشفافية والمساواة أمام القانون وتوفر شروط المحاكمة العادلة، والأكيد أن هذا يلزمنا أيضا بضرورة إيجاد أجوبة واقعية موضوعية لعدد من الإشكالات ذات بعد مؤسستي وتكويني وتقني وأخلاقي، ويسائل حتى مكونات وفعاليات المجتمع المدني عن مدى مساهمتها في التشريع وعن دور وسائل الإعلام بالتعريف بالمعلومة القانونية ونشرها.

إنكم اليوم من خلال فعاليات هذا المؤتمر ولجانه تفتحون فرصا مواتية لتقيم ما وصلنا إليه في هذا الورش ولاقتراح آليات لتقويم وتطوير الأداء بما يمكننا جميعا من أداء الرسالة والأمانة.

الحضور الكريم؛

إننا اليوم أمام محطة حاسمة في بناء السلطة القضائية بكل مكوناتها وأسئلة كبرى  تتطلب إيجابات واضحة وإجراءات دقيقة،  وتطالبنا بكثير من التبصر والتجرد والشفافية، وتستدعي مد جسور الحوار والتواصل ووضع آليات الحكامة الجيدة والتدبير المعقلن للرفع من مستوى المعرفة القانونية والقضائية والحد من العراقيل العملية ودعم فرص النجاعة والجودة بمعايير دولية.

إن الوعي التام بأهمية الزمن وأثره على تطور المشاريع الإنسانية بصفة عامة، وفي مجال العدالة بصفة خاصة، نعتبره حافزا لإتمام مشروع  التبليغ الالكتروني والمداولة الإلكترونية في القريب المنظور ،فضلا عن الاشتغال  بجد من أجل تهيئة كل الظروف لإنجاح مشروع المحكمة الذكية التي تعتمد على عدد من التطبيقات التكنولوجية التي ستخول أيضا خدمات متعددة لمرتفقي العدالة.

وهي كلها مشاريع تدخل في إطار الحكامة القضائية المؤهلة للولوج القانوني وتساعد على ممارسة مهنية متطورة وملائمة.

تحديات إذن متعددة تنتظرنا ذات طبيعة قانونية ومهنية وحقوقية وتنظيمية وإدارية، والأكيد، أن الرصيد التاريخي الكبير لأسرة العدالة ببلادنا وما تتوفر عليه من كفاءات مهنية متميزة منفتحة على كل التجارب العالمية ستجعلنا نصل معا إلى هذا الهدف المنشود.

الحضور الكريم ؛

لا بد من استثمار هذا اللقاء الهام ذي الدلالات الرمزية المتعددة لمد الجسور وخلق آليات التفكير والتعاون المشترك .

وأبواب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ستجدونها دائما مفتوحة أمام مبادراتكم الجادة وبرامجكم العلمية والمهنية الطموحة، خدمة للعدالة وللقيم الكبرى التي نؤمن بها جميعا.

أجدد شكري للجميع وأتمنى لأشغالكم التوفيق والنجاح.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error:

Managed by Immediate Bitwave